مفهوم التراث ومدلوله، يشمل الكتاب والسنة، كما يشمل سائر الإنتاج الفكري، المتعامل معهما، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى : « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا » فاطر 32 .. ومن قول أبي هريرة رضي الله عنه عندما خاطب الصحابة رضي الله عنهم بقوله : أنتم هنا وميراث محمد صلى الله عليه وسلم يوزع في المسجد. فلما انطلقوا إلى المسجد اندهشوا إذ لم يجدوا سوى حلق الذكر وتلاوة القرآن، فأوضح لهم أن هذا هو ميراث محمد عليه الصلاة والسلام. ومن هذا نقول : مدلول التراث الإسلامي، يشتمل على عطاء الوحي من الكتاب والسنة، وعطاء العقل من الاجتهاد، والإبداع، والتفسير، والفهم، وكل صور التعامل مع الواقع في ضوء قيم الوحي ..
فالتراث الإسلامي هو ما أورثناه عن سلفنا، من عقيدة، وثقافة، وقيم، وآداب وفنون، وعادات وصناعات ، وسائر المنجزات المادية والمعنوية. ومن ثم فلا يقتصر التراث في التصور الإسلامي على منجزات العقل الثقافية والحضارية والمادية، بل إنه يشتمل على الوحي الإلهي أيضا .. وعندما نتبنى هذا التعريف الشامل للتراث، فإن النظرة إليه، والتعامل معه، لن يكون واحدا يستوي في ذلك عطاء الوحي المعصوم، ومدارك العقل المظنون، ذلك أن معيار القبول والرد للوحي، يختلف عن وسائل اختبار معطيات العقل، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن معطيات الوحي الإلهي لا يقبل الانتقاء، والاختبار والإلغاء، بل هي قيم خالدة معصومة، مجردة عن حدود الزمان والمكان، وإطار يحكم الحياة كلها من صرخة الخلق إلى شهقة الحق، التي يناط بالعقل تطويرها، داخله، والاجتهاد في فقه التدين، أو التنزيل على الواقع، بحسب قابليته واستعداده وتوفير ظروف وشروط التنزيل، وإلا وقع الانحراف الذي لابد من تقويمه. وهذا طبعا لا يتنافى مع إمكانية الاستثناء، والتأجيل، والتدرج في التنزيل، أثناء التعامل مع أحكام الوحي، بحسب ظروف الحال التي عليها المكلف، ومدى استطاعته، لأنه محل الحكم الشرعي ..
يتبع بحول الله حول نظرات في بعض الدراسات النقدية للتراث الإسلامي.