في الماضي لم يكن موضوع التغذية الصحية محط إهتمام الجميع، لكنه سرعان ما تحول إلى وباء حقيقي، ففي كل يوم يحذرنا الأخصائيون من تناول هذا النوع من الأغذية أو ذاك وفق أبحاث جديدة دقيقة.
تعتمد الأبحاث في الغالب على فحص كمية السعرات الحرارية، الدهنيات، البروتينات، المؤشر الجلايسيمي، مضادات الأكسدة، مضادات الالتهاب، الجلوتين، الفيتامينات، المعادن وغيرها من المعطيات……
هذه الطريقة تمكن من معرفة أن البطاطا الحلوة صحية، الملفوف صحي جدا، الفلفل جيد، الخبز الأبيض ليس صحيا جدا، والدهن النباتي خطير جدا. أحيانا، نميل للاعتقاد أنه كلما كان الطعام أكثر غرابة وندرة (لبن الماعز، الخبز المصنوع من حبوب الشوفان الكاملة، الجوز البرازيلي، عصير القمح، حبوب الكتان) يكون أكثر صحة، في حين أن الأطعمة المتوفرة بكثرة لدينا منذ وقت طويل (الخبز، الأرز الابيض، اللحم، الدجاج، السكر والملح) تعتبر ضارة بصحتنا.
خلقنا الله سبحانه و تعالى و جعلنا مختلفين، فتناول ملعقة من الفلفل الشديد الحراراة صباحا هو أحد أنواع المتعة بالنسبة للبعض،بينما البعض الاخريعدسببا كافيا له للإصابة بالقرحة المعدية. البعض منا معتاد على منتجات الألبان ويتمتع بتناولها، بينما فينا من يصاب بالإسهال والام البطن. لذلك، فإن كل التصريحات التي تصلنا بصيغة: “أثبتت الابحاث أن هذا صحي و هذا غير صحي“، تعتبر سطحية.
عند التوجه للمختص في التغذية، كثيرا ما سينصحكم بما يلي: “قللوا من استهلاك الدقيق الأبيض، السكر، الملح ولحم البقر. أكثروا من الفواكه، الخضار والأرز الكامل”. يبدو أن هذا النظام الغذائي كان مفيدا لشخص أو شخصين في الماضي البعيد، فقرروا تعميمه على الجميع.
في ظل كل ما قيل، ليس غريبا ان تتغير نتائج الابحاث طوال الوقت، بحث يناقض الاخر، إذ أن أكوام المعلومات المكدسة هذه لا تتسم بأي منهجية، ولا فيها أي فهم شامل لجسم الانسان، احتياجاته وصحته.
إضافة إلى ذلك، فإن التغذية “الصحية” لا تجعلنا أكثر صحة فحسب، إذ أنها من الممكن أن تسبب لنا الضرر. كيف؟ أولا لأنها تقيد الشخص بعدد محدود من الأغذية الصحية التي يستطيع تناولها. بينما يتسم الأشخاص الأصحاء، بشكل عام، بأنهم لا يتقيدون يأنواع محددة من الأغذية التي يتناولونها. هنالك خبز؟ يأكل خبزا. هنالك دجاج؟ يأكل دجاجا. هنالك اسماك؟ يأكل اسماكا. صحة الشخص الجيدة هي التي تسمح له بتناول تشكيلة واسعة من الأغذية، وهو قادر على التعود بسرعة على أي نوع من الأغذية، وبوسعه تحديد الأغذية التي يحتاج لها. أما الشخص المقيد من الناحية الغذائية، فهو المريض.