الثقوب السوداء…وحوش في الكون

بقلم المرتقي//

عندما تنظر أعيننا في السماء ليلا نحس بهدوئها وجمالها، مستلقين ومطمئنين على الأريكة نتدبر حسن الخالق المدبر، ولكن خلف هاته الصورة الهادئة والمبدعة، هناك في الفضاء الواسع والفسيح تقع أحداث عظيمة من التفاعلات الفيزيائية المهولة الخارجة عن نطاق العقل البشري، فيصعب علينا التخيل او التفكير في ماهيته. إنه الكون الذي يضمنا ويحتوينا. الكون بين اللامنتهي في الكبر واللامنتهي في الصغر بين الذرة والمجرة…لكن مهما تنمقت كلماتنا ومهما تفلسفنا في تساؤلاتنا، لا محالة أننا سنبقى عاجزين عن وصف بنية الكون ؟ وماهي الميكانيزمات التي تحركه؟

مع تطور العلم أضحت فكرة أن الكون يخضع في بناءه لمشروع هندسي يبلغ من التعقيد مايعجز عن وصفه العقل البشري. ومع تطور منظار “هابل” تأكد لنا بالملموس أن البنية الكونية تبدأ بالنجوم التي تتجمع في مجرات في مجموعات ومتاهات تفصلها فراغات مهولة تلعب فيها قوة الجاذبية دورا حاسما في التكتلات الضخمة من مجرات وسديم وغازات وكدا مادة سوداء.

عندما طرح العالم الفيزيائي “ستيفين هاوكينغ” السؤال بلغة الرياضيات لكي يفهم من أين جاء هذا الكون العجيب والمعقد، سؤال فلسفي بالدرجة الاولى وبديهي لكل عالم تعمق في أغوار أسرار الكون بلغة الرياضيات، أو لنقل إنه سؤال جمالي يعكس إنفعالات كل عالم رياضيات عبقري يداعب معادلات وقياسات رياضية صارمة … لأن الرياضيات هي وصف مدقق لخصائص الكون على حسب اعتقاد عالم الكونيات “ماكس تاغمارك” حيث قال: “هناك جمال وبساطة أنيقة في الطبيعة تُظهرها الأشكال والأنماط الرياضية، واستطاعت عقولنا أن تُدركها”.

تركز سؤال “ستيفين هاوكينغ” حول فهم هذه الأجسام العجيبة لأنها تمثل حلقة مهمة و مفتاحا حاسما لنظرية الانفجار العظيم “Big Bang”، يقول في هذا الصدد، مالذي كان قبل الانفجار العظيم؟ وكيف يمكن أن نتصور الشكل البدائي للكون قبل اللحظة الصفر قبل “Big Bang”… من هنا تشكل مفهوم الزمن، فالزمن مفهوم هلامي، قد يبدو بسيطا من منظورنا نحن نظرا لمحدودية معلوماتنا، و لكن بالنسبة لعالم ك”أينشتاين” في النسبية العامة، أو “هاوكينغ” في نظرياته، فالزمن مفهوم مذهل وساحر، لكنه يتأثر بالقوى الخارجية التي تؤدي الى تمدد الكون، فمن المحتمل أن يستمر تمدد الكون إلى أن يتمزق إلى قطع مثناترة مثل انكسار مرآة الى اشلاء غير قابلة للتجميع، لتكون النهاية هي التمزق الكبير كما كان في بداية الانفجار الكبير “Big Bang”، أو أن تضمحل الطاقة المظلمة وينتهى الكون في عملية سحق “Big Crunch”، هاته الظاهرة لايمكن أن نعاينها، لأنها بكل بساطة تمثل اللحظة الاولى لبداية تشكل الكون منذ 130مليار سنة، قيمة رهيبة لكن هناك مكان ما في أطراف هذا الكون يمكننا من فهم بنية الكون عن قرب، إنها الثقوب السوداء.
إذا ما هي الثقوب السوداء؟

الثقوب السوداء هي مناطق توجد في الكون الفسيح، تتمتع بجاذبية هائلة وخارقة يصعب تصورها، لا تتمثل لنا إلا في إطار رياضي حسب نظرية “أينشتاين” في النسبية العامة التي طرحها سنة 1915، وبعد ذلك ببضعة أشهر في بداية العام 1916 إكتشف “كارل شفارتزشيلد” أول الحلول لهاته المعادلة، (نعني بحل بعض القيم الخاصة بالمتحولات التي تصف انحناء الزمان والمكان وتوزع المادة)، ويصف حل “شفارتزشيلد” الحقل الثقالي(الجاذبية) لجسم متناظر كروياً سمي بالثقب الأسود “black hole”.  لم يكن مفهوماً في ذلك الوقت أن ذلك الحل يعود إلى ثقب أسود. وفي الحقيقة فإن أعظم عقول ثلاثينات القرن الماضي، بمن فيهم “أينشتاين” نفسه، رفضوا فكرة الثقب الأسود لأنها تحتوي على متفردة “singularity”، وتعريفها التقني هو مكان يكون فيه الانحناء لانهائي، وتطلّب الأمر 50 عاماً لفهم ماهية الثقب الأسود في ستينيات القرن الماضي. لكن على أرض الواقع يمكن القول ان الثقوب السوداء تجذب كل ما يقترب منها من أجرام وأشياء، سواء كانت غازات أو نيازك أو كواكب أو نجوما، وهي تجذب حتى الضوء، لأنه لا يستطيع تجنب المصيدة والوقوع في أهوالها دون رجعة بما يفسر لنا تلك العتمة التي لاتعكس إلا سواد قلب المجرات.

أخبرنا “ستيفان هاوكينغ” إنه داخل الثقب الأسود لا وجود للزمن، بهذا المكان يتوقف الزمن، لماذا؟ لأن المكان ليس مكانا سويا ( ارتباط الزمن والمكان )، فالمادة في الثقب الأسود تعرضت لنوع من قوى الجذب الهائلة أدى إلى تغيير في بنيتها، و تشويه في طبيعة المكان وتمدد كبير في منحى الزمن لدرجة التوقف. و بما أن الثقب الأسود كان في الأصل نجما عملاقا يكبر شمسنا بملايين المرات. فمن المنطقي أن نتخيل أن الكون الآن في حالته العادية كان قبل 13 مليار سنة ضوئية، كثقب أسود لا متناهي في الصغر، لا متناهي الكثافة وذو طاقة هائلة… يشبه الثقب الأسود تماما، و بالتالي فالزمن آنذاك كان متوقفا ومتجمد. إنه أمر غاية في الصعوبة والإدراك، إن لم تكن محبا للرياضيات كما يقول “ستيفن هاوكينغ”. فرغم ماوصل إليه العلم تبقى الثقوب السوداء من أسرار الكون الغامضة ببسبب بعدها عنا وتضارب المعلومات عنها، والتشويش الذي تخلقة أثناء مرور موجات الضوء بجانبها، بل هناك أسباب أخرى متعددة، منها دورة حياتها وطريقة تشكلها، والمواد التي تتشكل منها، وسر جاذبيتها الهائلة وكثافتها اللانهائية وعلاقتها مع المجرات والنجوم وأشياء أخرى كثيرة، كشف العلم بعضها ومازال يحاول كشف المزيد….

عن nadra

شاهد أيضاً

الاستثمار في الطيران دعم للسياحة والتحضير للمونديال

يعمل المغرب على تطوير قطاع النقل والملاحة الجوية بهدف تسريع الاستعدادات لـ”مونديال 2030″ وتعزيز الرحلات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *