من جملة تعاريف البلاغة التي عرفها علماء اللغة، أنها: مطابقة الكلام لمقتضى الحال، لذلك فالذي يجهل حال الناس و استطاعاتهم سوف تشكل اللغة و الخطاب حاجزا دون تحقيق ما يريد أن يوصله إليهم من المعاني و التكاليف و الواجبات الشرعية .. فاللغة هي وسيلة التفاهم و أداة الاتصال، هي التي تبين الحال، و تمكن من حسن المخاطبة، و اختيار لغة الخطاب .. هي الأساس في إزالة الحواجز النفسية بين الإنسان و ما يكلف به أو إقامة السدود أمام الارتقاء بالإنسان و تنمية استطاعاته ..
من هنا ندرك حكمة اختيار العربية لتكون لغة خطاب الوحي الخاتم للعالمين، فأصبحت بذلك لغة الوحي، و كلام الله، أو خطاب الله لعباده جميعا حتى يرث الله الأرض و من عليها ..
و يكفي ذلك العربية تشريفا، كما يكفيها دليلا على قدرتها و إمكاناتها، و استيعابها لأبعاد الزمان ( الماضي و الحاضر و المستقبل ) و المكان ( الجغرافيا )، و ما يكون ذلك من تطور البشرية و نمو فكرها ..
و لا شك أن اختيار لغة للتنزيل لتكون لغة وحي الله أو لتكون خطاب الله إلى جميع البشر، التي يوكل حفظها و كتابتها و قراءتها و إقراؤها للأجيال من خلال إرادات البشر، يحمل من الأبعاد و الفاعلية و العبر الشيء الكثير الذي يدعو للتأمل و النظر ..
فالقرآن هو معيار التصحيح و التسديد و الفهم لرسالات الأنبياء.. و اللغة العربية هي معيار التصويب و الفهم لكتاب الله، و ما تمتلكه من الإمكانات يؤهلها للهيمنة على سائر اللغات ..
و قد لا نكون بحاجة إلى التأكيد على دور اللغة في بناء الأمة و صناعة وجدانها، و بناء ذاكرتها، و تكوين هويتها و ثقافتها، و ضمان تماسكها، و تواصل أجيالها، و توسيع دائرة تفاهمها و تفاعلها، و المساهمة بتشكيل نمط تفكيرها، و التأثير في مسالكها و أخلاقها، و تحريكها، و تغيير واقعها، و الإفادة من مخزونها التاريخي، و حماية رقعة تفكيرها من التبعثر و التفكك ..
فاللغة الأم في النهاية هي الترسانة الفكرية و الثقافية، التي تبني الأمة، و تحمي كيانها، و تحافظ على شخصيتها ..