سيخسر العرب حقوقهم بالتطبيع كما خسروها بالحرب

لابد أن أؤكد، بأن قضية فلسطين و احتلالها من قبل ي ه و د، هي قضية العقيدة و التاريخ و الحاضر و المستقبل، و هي قضية المسلمين جميعا في كل زمان و مكان، لها أحكامها الشرعية التي لا خيار للمسلم من الالتزام بها، و أبعادها الدينية و التاريخية و الجغرافية و الحضارية، و أن تاريخها المقاوِم يحتل معظم صفحات التاريخ، و أن معاركها طويلة و طويلة جدا، و الكثير منها لم يحسم في جيل أو زمان !! و حسبي أن أقول : بأن الحروب الصليبية دامت قرنين من الزمان لم تستطع أن تغير من هوية المنطقة، و تحملها على التطبيع مع الهزيمة، على الرغم من نشوء ثمانية أجيال في مناخ الحقبة الصليبية، و الميدان العسكري لم يكن الميدان الوحيد للصراع، و إنما امتد الصراع لمختلف الميادين و الأصعدة الفكرية و الثقافية و الدينية و الاقتصادية و العسكرية، و حفلت الحقبة الصليبية بالكثير من المعاهدات و المجاهدات و المخادعات … لذلك أعتقد أن أي تعامل مع القضية، في غياب التاريخ و العقيدة و الحق و العدل، سوف يبوء بالفشل و يكون عاجزا عن تقديم أي حل أو معالجة، مهما بدا من المقدمات التي يتوهم أصحابها أنها مؤشرات و مبشرات على طريق الحل .. و أي تطبيع للهزيمة و تمهيد لقبول الاحتلال في غياب الحق و العدل، سوف يشكل تحديا و استفزازا جديدا للشعوب قد يؤخر الصراع أو يغير من طبيعته، و لكن لا يحسمه أو يلغيه …

من هنا أقول : بأن أي حل أو عهد أو تفاوض أو تطبيع، يتجاهل الحقائق الأساسية للمشكلة الفلسطينية، سوف يبوء بالفشل، و أي تعامل سطحي مع القضية ذات العمق التاريخي و الديني، لا يغير من الحقيقة شيئا، و لا يلزم حتى الذين اختيروا لتوقيعه، و لا يخرج عن أن يكون هدنة لاستئناف مواجهات جديدة عندما تتاح الفرصة، لأن العهود التي تتجاهل حقائق الأمور، و حقوق الشعب و إقامة العدل، هي في الحقيقة عقود إذعان و شروط مفروضة، في ظرف لا يملك صاحبها اختيارا !!

الحقيقة التي لابد من الإشارة إليها : هي أن العرب و خاصة في تاريخ القضية الفلسطينية المعاصرة، يتحركون من خلال أمنياتهم و رغباتهم، لا من خلال الإعداد المطلوب للتعامل مع الواقع، بمتغيراته السريعة و المستمرة … و لابد لي أن أعترف أن ال ي ه و د كانوا الأقدر على التعامل مع الظروف الدولية و تسخيرها لمصالحهم، و تكريس احتلالهم، فلقد راهنوا على النظام العالمي الجديد في مراحل الصراع و التناقض و الحروب الباردة، و أفادوا منه الكثير، و هم اليوم أسبق إلى الإفادة من هذا النظام الجديد … أما العرب فلا زالوا محلا للمتغيرات و مزرعة للتجارب، و كثيرا ما يقتصرون على التنديد و الشجب و رد الفعل و العجز عن الفعل، و كثيرا ما راهنوا على الحصان الخاسر، و خاصة في زمن الصراع و الحرب الباردة و الساخنة … فخسروا السلم كما خسروا الحرب، لأن الكثير منا لا يبصر للمواجهة إلا ميدانا واحدا، و كأنه مصاب بعمى الألوان، في الوقت الذي يفيد عدونا من كل الظروف ..

و الخشية الكبيرة أن يحمل النظام الدولي المطبعين التوقيع على تكريس الاحتلال، و الموافقة على شرعيته، و عدم الاقتصار على واقعيته، و بذلك نخسر الحرب و السلام معا، و الأقصا يستغيث !!

و لله الأمر من قبل و من بعد !!

عن admin

شاهد أيضاً

الاستثمار في الطيران دعم للسياحة والتحضير للمونديال

يعمل المغرب على تطوير قطاع النقل والملاحة الجوية بهدف تسريع الاستعدادات لـ”مونديال 2030″ وتعزيز الرحلات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *