سينما “لارس فون ترير”…فلسفة مخرج وأفلام مثيرة للجدل!

بقلم المرتقي//

فيلم المسيح الدجال “antichriste”، من الأفلام المدهشة في السينما العالمية، لانه ينتمي الى صنف الأفلام المربكة والمثيرة للمشاهدين، فهو ليس مجرد فيلم مليء بالحزن والاكتئاب والعنف دون ان نغفل نهايته المستفزة، بل هو فيلم جرىء لمخرج عبقري يطلق العنان لأفكاره المتطرفة والمتناقضة والمليئة بالسوداوية والتشاؤم، باستعماله تيمة الموت والعنف والجنس. هذا المخرج العنيد، يعتبره بعض النقاد أنه يمارس على المشاهد ساديته الى أبعد الحدود، ويتهمه البعض الاخر بالمريض نفسيا، اتهامات قاسية تدفعنا لطرح اسئلة عن ماهية فلسفة “لارس فان تريان”، في طرح هذه التيمات التي تحوي في تجاويفها متاهات من الاسئلة الوجودية العميقة، وتشيء عن وجود نظرة مليئة بالقلق والتساؤلات المحيرة عن الوجود وماالجدوى منه اصلا، اذا كان هناك صراع مرير من اجل البقاء ….على غرار الاسئلة الوجودية للفيلسوف الالماني “مارتن هيدجر” وهذا يشير بوضوح إلى تأثير فلسفة “هيدجر” على افكار “لارس فان تريار”، لأن فلسفة ” هيدجر تقوم على فكرتين مركزيتين هما الوجود والعدم وضمن هذه الثنائية على الإنسان أن يشعر بالقلق تجاه مصيره لأن نهايته الحتمية هي الموت”.
وبالتالي تصبح الحبكة الأساسية لمعظم افلام “لارس فان ترير” هي طرح اسئلة مؤرقة ومزعجة اكثر منها اسئلة تثير مشاعر المشاهد وتستفزه.

 بدأ “لارس فون ترير” الدنماركي الجنسية بدايته الأولى كمخرج له أيدلوجية متمردة، وكان له طموح كبير في أن يصبح رائدا في السينما، يرغب في الخروج على العادات و القوانين المفروضة على السينما العالمية من طرف هوليوود التي تأثرت بالانتاجات الكبيرة التي تلتهم ميزانيات ضخمة، وطغيان نظام النجومية “système star”، وسيطرة المنتجين على مجال الابداع، واستعمال أحدث التقنيات المعقدة، هذه العوامل انعكست على الفن السابع فأصبح الحديث عن أفلام هوليوود التي اتسمت بشهرة عالمية واسعة وكأن إنتاج الأفلام السينمائية الجيدة لايخرج عن اطار استديوهات هوليوود! إلا أن واقع الأمر يشير إلى العكس، هناك افلام نالت شهرة عالمية بتمويلات متواضعة.

أصدر “لارس فان” ورفاقه من المبدعين الشباب بيانًا في الثاني والعشرين من مارس عام 1995، وأسموه “دوجما DOGMA 95” ،كانت الفكرة الأساسية التي قامت عليها هاته الجماعة من المخرجين الشباب هي أنّه يتم صناعة الأفلام بدون الاعتماد على تراخيص السلطات أو الميزانيات الضخمة الممنوحة من طرف لوبيات بورجوازية أهدافها ليست فنية، حيث يتم الإعتماد بدلًا من ذلك على المنح الحكومية الأوروبية ومحطات التلفاز، وذلك لتنقية صناعة السينما من المؤثرات الملوثة لجوهر الفن السابع واعادة الإعتبار لروح الإبداع عن طريق نبذ المؤثرات البصرية الخاصة، والصناعات الاخرى التي تدخل في اطار اللمسات الاخيرة لتحسين جودة الفيلم في مرحلة ما بعد الإنتاج (Postproduction)، و التركيز أكثر على جوهر القصة والحبكة، وكذلك تطوير أداء الممثلين، وتحسين عملية السرد بالتركيز على البحث الفني لاعطاء قيمة فنية وجمالية للفيلم تعتمد بالاساس على البساطة والجمال.
انه بيان ثوري كان يهدف الى إعادة السينما الى أصولها الأولى وتطهيرها من المؤثرات التي تسلبها حرية المبدعين وتجعل المخرجين تابعين لا مبدعين. على غرار حركة الموجة الجديدة بفرنسا في سنوات الستينات التي تزعمها “جون لوك گودار” و “انيس ڤاردا”…ومبدعين اخرين تركوا بصماتهم بأفلام مشهورة كفيلم “الحقير le médiocre” لمخرجه “جون لوك گودار”.

بعد إصدار نص البيان الذي يشبه بياناث الثورة، ظهرت أفلام شهيرة تدخل في سياق بيان “دوغما 95” كتكريس لرفض وعصيان فني من طرف أعضاء هاته الحركة من المخرجين الدنماركيين “لارس فون ترايير وتوماس فنتربيرغ”، وقد بدأت ملامحها الأولى بالتوقيع على عريضة “دوغما 95″، أسموها أيضًا بنذر العفة “Le Vœu de chasteté” وانضم بعد ذلك لكل من “فون ترير و فونتربرج” مجموعة أخرى من المخرجين منهم “كريستيان لافرينغ و سورن كوراه جاكوبسن”.

من بين هذه الأفلام الشهيرة هناك فيلم “Festen” لتوماس فيتنبرغ و”les idiots” للارس فون ترير، وتكلل عملهما بنجاح باهر في أن ينال فيلم “Festen” جوائز كبرى عديدة، أهمّها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي، رغم ضعف التمويل وبمزانيات بسيطة جدًّا ولكن بفكر ثاقب ورؤية جماليّة لم نعهدها في الأفلام السينمائية السابقة. كما كلل فيلم لارس فان بالتتويج في فيلم “المعتوهين les idiots” وتدور قصة الفيلم حول امرأة تلتقي مجموعة من الناس يلعبون دور أناس متأخرين عقليا ليضايقوا الآخرين في المجتمع، يبدو من النظرة الأولى أن فكرة الفيلم هي السخرية بقسوة من الطبقة المتوسطة في الدول الغنية. وبعد ذلك يفاجئنا “فون ترير” بثلاثيته وتحفته الشهيرة التي سماها كولدن هارت “راقصة في الظلام Dancer in the Dark” عام 2000، و”breaking the waves كسر الامواج “.

يجب الاعتراف بأن سينما “لارس فان ترير” صنعت تناغمًا ببن الصورة والصوت ليدمج المُشاهد في تعقيدات واشكالات فلسفية وأخلاقية متناقضة وفوضوية، إنها فوضى مقبولة شيء ما، وإنها وسيلة تعبير عن الشعور بالخيبة والتشاؤم في هذا الوجود المليء بالغموض والشك، والشك هو بداية التفلسف حسب “ديكارت”، فما خطأ “لارس فان ترير”.

وفيما يلي نص بيان دوغما 95:
– التصوير يجب أن يتم في الموقع، لا يجب إحضار أية مواد ديكور في التصوير إلى الأستوديو، و عليه فإذا كان شيء سيظهر في المشهد يجب اختيار موقع تصوير يتواجد فيه هذا الشيء.

– الصوت لا يجب وضعه بعيداً عن الصورة أو بالعكس، لا يجب استخدام الموسيقى إلا إذا تم تحديثها و استخدمت وقت تصوير الحدث

– يجب أن تكون الكاميرا محمولة باليد وأيّ حركة أو تباث في المشهد يمكن إدراكه بواسطة استخدام اليد أمر مسموح به

– يجب تصوير الفيلم بالألوان، الإضاءة الاصطناعية غير مقبولة

– الأعمال الضوئية أو المرشحات Filters ممنوعة تماماً

– يجب ألا يتضمن الفيلم عنفاً ظاهرياً

– أفلام الأنواع النمطية Genres غير مقبولة

– يجب أن يكون مقاس الفيلم المستخدم 35 مم

– يجب ألا يذكر اسم المخرج في لوحة الأسماء Credit .

عن nadra

شاهد أيضاً

الحوامض المغربية تصل إلى اليابان

وصلت أمس الأربعاء، أول شحنة من الحوامض المغربية إلى اليابان. وقال مصدر من المكتب الوطني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *