نرى معظم أنظمة الحكم في بلاد العالم الإسلامي، استنفدت جهدها ومالها وطاقاتها، في حماية السلطة، وليس في بناء الإنسان، فانشغلت بالسلطة، وتقدمت في وسائل حمايتها، وأفادت من التكنولوجيا المعاصرة كلها، ووضعت مصادر البلاد وخيراتها، تحت تصرف السلطة والدولة العميقة بعيدا عن الموقع الحقيقي لبناء الإنسان بنظم تعليمية رفيعة المستوى، حيث تم تدمير التعليم و الثقافة، لصالح السياسة، مع العلم أن تدمير الثقافة، هو تدمير للسياسة والثقافة معا في نهاية المطاف !!
حتى تم إنتاج شخصيات مشوهة مشوشة متناقضة وممزقة بعيدة عن هموم مجتمعها ومشكلاته، وتعيش صراعا وانشطارا ثقافيا، لا ينتهي، نتيجة لتناقض الموارد التعليمية مع تطلعات المجتمع الوقتية، واضطراب فلسفة التعليم، الذي يذهب ضحيتها الطالب، وذلك – أصلا – بسبب الفصل بين التعليم الديني، والتعليم المدني، الذي كان ثمرة طبيعية للصراع بين العلم والدين، كما كان في أروبا قديما الصراع بين رجال الكنيسة والعلماء، ثم جيئ به إلى عالم المسلمين، حتى بدأت تخرج هذه المؤسسات أعداء للإسلام وعنصريين يتسمون بالعنف الفكري والإرهاب المعرفي ، جهلة بتاريخ الإسلام وثقافته، وحضارته، يدينون للتحكم الثقافي الغربي، في المنهج، والمصدر والمرجع والأستاذ، وأصبحت هذه المؤسسات معابر للغزو الثقافي، واحتلوا خريجوا هذه المؤسسات المواقع المؤثرة في المجتمع، و شرعوا يضربون من الخلف في اللغة العربية وأحكام الدين ..إلخ، سواء قلنا جاء ذلك بسبب التخطيط والاحتواء الثقافي والسياسي، أم قلنا : بأنهم هُيّؤوا بطبيعة دراستهم لشغل وظائف الدولة الحديثة، بينما انغلقت بعض مؤسسات التعليم الشرعي الديني العتيق على الماضي، فعاشت وبقيت تعيش غربة الزمان، وإن لم تعش غربة المكان، ولم تتنبه لشمولية التصور الإسلامي للحياة، وأهمية التخصصات، المطلوبة للمجتمع، وأهمية تطوير فلسفتها ومناهجها ودراساتها، وحوصر خريجوها ببعض الوظائف في الكلية أو الجامعة، أو بعض الوظائف الهامشية، التي حالت دون تأثيرهم في المجتمع، وسأقفز على بعض الأمثلة لكي لا ينزعج بعض أصدقائي، مما أدى إلى عزوف كثير من الطلاب عنها، إلا في حالات خاصة، من الفقر والبطالة والعجز عن متابعة التعليم في مؤسسات تقتضي نفقات ومصاريف، أو بسبب ضعف المستوى العلمي الذي لا يؤهلهم إلى دخول مؤسسات التعليم الحديث، وهنا وقعت الواقعة في نوعية الطلبة وفي أسلوب التعليم وطرائقه !!
والكلام يطول .. والله غالب على أمره ..