قطة “شرودينجر Schrödinger” هي تجربة فكرية ابتكرها عالم الفيزياء “Erwin Schrödinger” في عام 1935 من أجل تسليط الضوء على بعض المناطق المظلمة في الفيزياء الكمية، وذلك لتسليط الضوء على مشكلة القياس حسب تفسير كوبنهاغن، الذي هو عبارة عن تيار فكري يعطي تفسيرًا متماسكًا لميكانيكا فيزياء الكم physique” “quantique، حيث يرى أن الطابع الاحتمالي لميكانيكا الكم وعلاقات الشك واليقين لأطروحات العالم “هيزنبرغ” تنشأ من التفاعل بين أجهزة القياس والنتائج، بعبارة أخرى لا يمكن إهمال تأثير أجهزة القياس على الأجسام التي تخضع للتجربة على المستوى الذري.
إنه اشكال فلسفي عويص يهدم كل اليقينيات والتوابث العلمية الخاضعة للتجربة ، فيصعب اعطاء تصور متكامل لفيزياء ميكانيك الكم نسبيًا لأن وصفها للعالم يعتمد على مجموعة من الاحتمالات الرياضية المحضة، لكي تعطينا وصفا غاية في الدقة لحركة الجسيمات المتناهية في الصغر ، لكنه يبقى وصفا غارقا في الغموض والتناقض رغم صرامته الرياضية، لأننا اعطيناه أوصاف استعرناها من واقعنا وحاولنا إسقاطها على عالم لانراه بأعيننا ، على عالم يتلاشى من أيدينا كلما حاولنا السيطرة عليه، عالم آخر يختلف بشكل كامل عما نراه في حياتنا، فكان من البديهي أن يطرح العلماء في بداية القرن العشرين أسئلة أساسية عن ماهية الإلكترون وكيف يمكن التعامل معه؟ هل هو موجة أو جسيم؟ فإذا كان عبارة عن موجة فلماذا نلتقط فقط نقطة واحدة على الصفيحة الحساسة أثناء التجارب؟ وإذا كان جسيم لماذا لا نلتقط أكثر من نقطة لنفس الإلكترون؟
الجواب يأتينا من نظرية الكم ، التي تعتبر أن الإلكترون يسلك سلوك الموجة فقط عندما لا نراه، أما عندما نحاول أن نراه فهو يتحول إلى ما يشبه الجسم أو نقطة في الفضاء، وهذا ما يسمى بازدواجية الموجة والجسيم، بعبارة أخرى، عملية القياس لا تكشف عن مكان الإلكترون وإنما تخلق ذلك المكان.
المعادلات الرياضية المستخدمة في ميكانيك الكم كان لها نتيجة غريبة على التجارب في المختبر ، فلم يعد بالإمكان حساب بعض القياسات الفيزيائية، كسرعة الجسيم ومكانه في نفس اللحظة بدقة ، فنظرية الكم تفرض علينا حساب إما سرعة الجسيم أو معرفة مكانه بشكل دقيق، ولكن لا يمكن جمع الاثنان معاً. فإن قمنا بحساب أحدهما فإن قيمة الآخر ستكون قيمة غير نهائية ومرفوضة من الناحية العملية.
في عام 1900 افترض الفيزيائيّ “ماكس بلانك” فرضية جديدة وغريبة، وهي أن الطاقة كمية ، بمعنى آخر ، إن أردت الانتقال من 1 الى 3 فيتوجب عليك الانتقال في كافة القيم بينهما (1.001 مروراً ب2.65 وحتى تصل ل3) لكن تكميم الطاقة الذي افترضه “بلانك”، ينص أن طاقة الجسم إما 1 أو 3، وعند الانتقال بينهما فهي لا تمر من جميع القيم التي بينهما، فتقفز من 1 الى 3 دون أي المرور من قيمة أخرى. وخلال تفسير إشعاع الجسم الأسود، اكتشف عالم الفيزياء “ماكس بلانك” أنّ الطاقة المنبعثة او الممتصة عن أي جسم تتصرف بطريقة متقطعة وليست متواصلة، أي على شكل جسيمات تسمى “كوانتا” ، هذا يعني أنّ الإلكترونات لها مدارات ثابتة حول الذرة بما أن طاقتها تأتي بشكل منفصل، أي أنه عندما يتعرض الإلكترون للإثارة أو العكس، سوف يمتص أو يحرر كمية محددة من الطاقة تسمى “كوانتا” مما يعني أنه سوف يقفز إلى مدار أبعد أو أقرب من دون أن يتواجد بين هذه المدارات بشكل متدرج ، يعني أنه يوجد في مدار A أو مدار B….هنا يطرح لنا اشكال علمي عن مكان تواجد الإلكترون، هل يوجد في مكان واحد أو في مكانيين معا؟
كان لزاما على العلماء في خضم هذه الغرابة المليئة بالفوضى والتناقضات أن يستعملوا تجارب فكرية لاعطاء وصف رياضي يتماشى مع القياسات في المختبر، حيث قام العالم “شرودينجر” بتجربة فكرية تسمى بقطة شرودينجر، وتقتضي التجربة وضع هذه القطة في صندوق مغلق غير شفاف ولا نستطيع معرفة ما يحدث داخله، كما نضع مع القطة غاز سام لكن بكمية تكفي لقتل القطة في حالة ارتطام الكترون بمفتاح السم، وفي حالة عدم الارتطام لايتسرب السم الى الغرفة ، وبالتالي يصبح لدينا احتمالين: بقاء القطة على قيد الحياة بنسبة 50%، أوموتها أيضا بنسبة 50%. في هذه الحالة لسنا متأكدين من حالة القطة هل القطة حيّة أم ميتة…أو لنقل أن الحالة الفيزيائية للقطة هي حيةوميتة في نفس الوقت…
ويبقى السؤال مطروحا ماهو وضع قطة شرودينجر…حية او ميتة..؟.
انطلاقا من هاته التجربة نستنتج أن ما جاءت به الفيزياء الكمية، كسر مفهوم العالم الحتمي الذي عمل به الفيزيائيون لسنوات طويلة، ليستبدل باللأيقينيات.
.