نظرة: حفيظ إبن أحمد المغربي
لو سلمنا بالتوقف عند حدود فهم الجيل الأول، المصاحب لنزول الوحي، لكان الأمر بالتدبر و السير في الأرض، و التوجه إلى رؤية الآيات في الأنفس و الآفاق، لا معنى له !!
حيث أن صفة الخلود – و هي قدرة قيم الوحي على العطاء المتجدد، المجرد عن الزمان و المكان – تصبح مفقودة في الواقع !! و لذلك نعتقد أن مناهج المعرفة للنص الديني، أو إعمال العقل في النص الديني، هي في النهاية اجتهاد عقلي، قابل للفحص و الاختبار، و الإضافة و التعديل و الإلغاء، كلما تراكمت معارف جديدة يقينية، تمكن من هذا الاختبار، ذلك أن مناهج إعمال العقل في النص، تبقى محكومة بمعطيات العصر، و معارفه … و الخلود و الامتداد في الرؤية و الاستشراف، يعني : عدم الاقتصار على العطاء في عصر معين .. لكن، يبقى هذا ثمرة و نتيجة و امتدادا للفهم الأول، لا يعود عليه بالإلغاء !!
و لاشك أن علماء أصول الفقه، قد أبدعوا مناهج دقيقة و منضبطة لإعمال العقل في النص ( أو ضوابط الاجتهاد )، كانت و لا تزال مفخرة من مفاخر العقل المنهجي و المعرفي ..
هنا يمكن أن نعتبر علم أصول الفقه، منهجا متكاملا للبناء المعرفي الفقهي : فقه الأحكام، و أنه بلغ في هذا، المدى المطلوب و المتصور، فجاء هذا الاستبحار في الفقه، و الاستقصاء لكل الأبعاد و الآفاق المعرفية، التي يمكن أن يحتملها النص بعبارته، أو إشارته، أو مقتضاه، و كانت مناهجهم المعرفية في دلالات الألفاظ، ثمرة لإعجاز القرآن، الذي نزل بالعربية، و دليل عبقرية اللغة العربية، و قدرتها على استيعاب التطور الفكري و الحضاري، الأمر الذي لابد من الإفادة منه في إطار تأصيل المناهج المعرفية للعلوم الأخرى على اختلاف موضوعاتها، و خاصة الإنسانية منها، لما بينها من التواصل، حيث لا يخرج علم الأصول عن أن يكون على رأس العلوم الإنسانية !!
و للحديث بقية، و في النفس أشياء ربما نتعرض لها في النقاش بحوار معرفي ..