بقلم أبو يحيى//
يقول أحد المفكرين كلنا كالقمر نسطع و نضيء …لكننا نخفي وجها آخر مظلم وقاتم فمهما بلغ الإنسان من الوعي والتصرف طبقا للأخلاق والأعراف التي ترسم مسار حركته في الحياة بوعي الوجود، فإنه في آخر المطاف يبقى خاضعا لقوانين غريزية تدفعه لفعل الخير، كما تدفعه لفعل الشر، هذه ميزة تخص كل البشر وربما تستثني منه الأنبياء، والخيانة تعتبر فعل من أفعال الشر التي تمقتها النفوس و تنفر منها الأرواح، فعبر التاريخ كانت الخيانة أمر سيء ومرفوض في جميع الأعراف و الديانات.
ففي لسان العرب لابن منظور : الخون أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح ، والخيانة : الغدر وإخفاء الشيء، ومنه : “يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ”
وكان عليه الصلاة والسلام يقول: ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ” و التاريخ الإسلامي يحفل بأمثلة يندى لها الجبين، عن حكام و سلاطين لم يشفع لهم لا الجاه ولا السلطة عن الخيانة كما أن أناس تحدثت عنهم الكتب و الحوليات التاريخية على أنهم خونة، فيما هم براء من التهمة. على سبيل المثال معظم المؤرخين للعصر العباسي يتهمون ابن العلقمي بتسليم مدينة بغداد للقائد المغولي هولاكو والتسبب في مذبحة كادت تفني الجنس العربي من على وجه العاصمة العباسية سنة 1197م وإحراق المدينة، فهل ابن العلقمي ذاك العلامة المثقف و رجل الدولة الحازم، كان خائنا للأمانة و عرابا للغدر والخديعة أم هناك سياقات تاريخية للأحداث عجلت بتسليم المدينة؟ كما أن التفوق العسكري للمغول جعل من الرجل كبش فداء لم يرحمه التاريخ؟
بعض المؤرخين يشيرون إلى ضلوع نصر الدين الطوسي في مقتل الخليفة المستعصم. بينما ابن كثير أثنى ﻋﻠﻴﻪ وﻻ ﻳﺘﻬﻤﻪ بفعل جرم الخيانة، ﺑﻞ يستبعد أن ﻳﺼﺪر ﻣﻨﻪ ﻣﺴﺎﻧﺪة للمغول ، حيت وصفه بالعاقل والفاضل في كتابه “البداية والنهاية”. ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻘﺮأ هﺬﻩ اﻟﺸﻬﺎدة ﻣﻦ إﺑﻦ كثير ﻓﻲ ﺣﻖ اﻟﺸﻴﺦ ﻧﺼﻴﺮ اﻟﺪﻳﻦ الطوسي بكثير من التأمل وقليل من التحفظ فمن سنصدق التاريخ أم المؤرخين ؟
في الذاكرة المغربية يحدثنا التاريخ عن أناس وصفوا بالخيانة العظمى كانت لهم سلطة سياسية أو روحية أو علمية مطلقة نذكر منهم السلطان السعدي “محمد المتوكل” الذي التجأ إلى ملك البرتغال “سيبستيان” بعد خلعه عن الحكم من طرف عمه عبد المالك لأنه استبد بالحكم وانغاله الى السهر و المجون دون اكتراث لأحوال البلاد. وقتله لكل معارض من الأقربين، حتى إنه لم يتورع عن قتل اثنين من إخوته! وسجن الثالث في سنوات حكمه الأول فيما لجأ عمه إلى العثمانيين لإنقاذ مايمكن إنقاذه، هنا تبرز صورة ساخرة لجانب مظلم من تاريخ المغرب نرى سلطانين كل منهما يستنجد بالخارج للإحتفاظ بالسلطة.
ألا يعتبر الاستقواء بالأتراك خيانة بدليل أن الإمبراطورية العثمانية حاولت توسيع نفوذها عبر التراب المغربي مرورا باحتلال تلمسان سنة 1517م والاستلاء نهائيا على الجزائر للحصول تدريجيا على منطقة نفوذ للمرور الى مدينة فاس حيت أرسل “محمد الشيخ السعدي” جيشا يتكون من 30000 مقاتل بقيادة ابنه الحران لتحرير تلمسان من قبضة الجيش الانكشاري واسترجعوا المدينة بسهولة، حيث تمت إزالة الحامية العثمانية بها في 1547م. واصل الجيش السعدي زحفه إلى معقل العثمانيين في مستغانم … لكنه فشل في الاستيلاء على المدينة.
من نكت التاريخ أن لقب الخائن حسمته معركة واد المخازن…ليبقى السؤال المحير ماذا لو انتصر البرتغاليون في هذه المعركة …بدون شك “محمد المتوكل” كان سيلقب بسلطان السلاطين..لأن التاريخ يكتبه المنتصرون فيما يبقى وجه القمر الظاهر لنا ساطعا جميلا…